ياسين الحاج صالح –الطاهر ابراهيم –محمد علي الاتاسي
بالترتيب كانت مقالات هؤلاء الكتاب الثلاثه وكل منهم كان يعلق او يرد على الاخر ، حول مواضيع متشابكه ومتداخلخ بشكل كبير ، فيها خليط لما هو عقائدي صرف ، مع ما هو متعلق بالنظام السوري واحكامه ومراسيمه الرئاسيه التى يترجمها مجلس الشعب السوري لقوانين ، ومنها ما هو تنظيمي بحت يتعلق بالطريقه التى يفهم بها الاخوان المسلمين للدين الاسلامي .
بداية الامر كان تعليق السيد ياسين الحاج صالح حول قضية ارتداد احد المواطنين المصريين عن دينه ، وما اثارته من جدلية متجدده حول حكم الاسلام على المرتد ، وهذا الامر مثار خلاف ونقاش كبيرين حيث يتخذه الكثير من الغربيين ومن اعداء الاسلام كاحد الادله على ان الدين الاسلامي يرفض الاخر ولا يقبل به ، وانه دين غير متسامح وانه يحجر حرية الاعتقاد على الاخرين .
ثم جاء تعليق الاخ الطاهر ابراهيم عليه وملاحظاته حول الموضوع وهي التي اثارت حفيظة السيد الاتاسي مما دفعه الى الادلاء بدلوه في الامر من وجهة نظره هو ونشرها في صفحات سوريه بالامس . وبما انها –سيره وانفتحت – فلم لا نرم بقوسنا في ذلك الامر ونعرض وجهة نظرنا طالما اننا بحمد الله نتمتع بحرية الكتابه ، وحرية التعبير ، ولربما كان لذلك فائدة في ان –تتلاقح- الافكار لعلها تنجب يوما ما مولودا سليما معافى من كل امراض مجتمعنا السوري الذي يئن تحت اوجاع امسه القريب وحاضره ربما مستقبله الذي نرجو الا يطول .
اولا وباحتصار يقول السيد الاتاسي ان القانون سيئ الصيت المرقم 49 لسنة 1980 والقاضي باعدام اي فرد من الاخوان ، يقول انه يشبه نوعا ما قانون اعدام من يبدل دين الاسلام الى دين اخر ، وان (حكم المرتد ) في الاسلام هو اعدام فقهي لا يختلف عن الاعدام القانوني الذي نص عليه القانون 49 المذكور ، وهذا خطا كبير وخلط غير مقبول ابدا حيث يساوي السيد الاتاسي بين حكم فقهي اسسه واقره علماء الامه الاسلاميه ، وبين قانون جائر اصدره حاكم دكتاتور لا يعرف الله ولا يقيم لحرمة الانسان وزنا كل همه ان يبقى على كرسي الحكم حتى لو كان ثمن ذلك الوف الضحايا من شعبه . تلك المقاربه غير مقبوله ابدا ، ولا مجال للتشبيه بين حكم الله تعالى الذي شرعه علماء الامه وفقهاؤها عبر العصور وبين حكم حافظ اسد الباغي الظالم .
ويستند السيد الاتاسي في مقارنته الى انه لا توجد ايه واحده تنص صراحة على قتل المرتد ، والرد على ذلك بسيط جدا يا سيد اتاسي وهو انه لا توجد ايه واحده تقول ان صلاة الصبح ركعتين والظهر اربعه والمغرب ثلاثه ، فلماذا تصلي كل امة الاسلام كل يوم وليله تلك الصلوات لا تختلف من اندونيسياوالصين الى المغرب والمشرق الاسلاميين ؟ لماذا ؟ ولماذا لا توجد ايه واحده تقول ان مقدار الزكاة في الابل كذا وفي الغنم كذا وفي الذهب كذا وفي عروض التجاره كذا ؟ لماذا ؟ ولماذا لا توجد اية واحده تقول ان مسافة القصر في السفر 80 كيلو متر ؟ ولا توجد اية تقول ان رمضان ممكن ان يكون 29 او ثلاثين ؟ لماذا تركت كل تلك التفاصيل للرسول الكريم ليبت فيها ومن بعده هناك باب كبير اسمه الاجتهاد فتح للعلماء والفقهاء والمفكرين ليبينوا للناس الحكم في كل ما هو جديد ؟
هناك نقطه مهمه جدا لم يدركها السيد الاتاسي ولا السيد ياسين الحاج صالح وربما غيرهم كثير ، وهي ان الخوض في تعاليم الاسلام وتفصيلاته وتفسير معني ايات الاحكام وايات التشريع لا يحق لاي شخص ان يفتي او يبت فيها ما لم يكن من اصحاب الاختصاص والخبرة والعلم والدرايه ، والا لكان الدين (شوربه ) لو ان اي جاهل او نصف متعلم في امور الدين راح يشرع للناس الاحكام ، ولكانت الطامة الكبرى . والنقطه الاهم هي الخضوع والاستسلام لاحكام الشرع ، فلو قال لك الشرع هذا يجوز وهذا لا يجوز فليس امام المرء الان ان يخضع ويقبل بحكم الشرع ولعلك يا سيد اتاسي مررت على هذه الايه الكريمه ) فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) . عندما يقول الشرع الاسلامي كلمته فليس خيار للمسلم الا ان يطيع ، نعم يحق له ان يحاجج ويبين رايه ومشورته ولكن في النهاية فان اي مسلم انما هو جزء من منظومة كامله متكامله يحكمها ائمة الامه وفقهاءها وعلماؤها المخلصون .
طبعا هذا القول لن يعجب السيد الاتاسي وغيره وسيقول : اذا فنحن مجبرين ان نغلق عقولنا وتفكيرنا ونتبع اناسا يسيرون على وفقا لتعاليم مضى عليها مئات السنين واكل الدهر عليها وشرب ، والجواب هو نعم ، والبديل عن ذلك ما رايته من احكام عرفيه وسجون وقتل وتدمير يقوم به من يصل الى الحكم بالقوة والحديد والنار والامثلة شاخصة شاهدة لا تحتاج الى دليل . على الاقل عندما يحكم الاسلاميون هناك خطوط حمراء لا يمكن ان يتعدوها ابدا مثل الشرف والعرض وحرمة الدم وحرمة استحلال المال العام وغير ذلك من الاساسيات التى تحفظ كيان الامه ومقوماتها ولا تصل ابدا الى درجة التفريط الكامل بكل المقدسات كما نراه في عالم اليوم من الحكام الذين استحلوا كل شيء ليبقوا فوق رقاب الناس .
ثم ينتقل السيد التاسي للحديث عن الطلاق وحقيقة انه في الاسلام بيد الرجل وليس المراة ، ويتفتق ذهنه على دليل مفحم انه ربما تكون هناك امراة في عائلة ما تتميز بالعقل والتروي والحكمه ، بينما يكون الرجل في تلك العائلة احمق وارعن وطائش فاين الحكمه في ان يكون الطلاق بيد ذلك الرجل وليس بيد تلك المراه ؟ وهنا يبدو انه نسي او تناسى ان الاحكام العامة لا تبنى على شيئ شاذ او نادر الوقوع ، وكم هي نسبة تلك المراه الحكيمه من بين عدد النساء غير الحكيمات وغير المترويات والائي تسيطر عليهن العاطفه المؤقته وليس التفكير العقلاني البعيد ؟ ولماذا مثلا تم تكليف الرجل بدفع مهر المراه وليس العكس ؟ ولماذا تم تكليف الرجل بالانفاق على البيت والعمل خارجه بينما يتركز عمل المراة على تربية الاجيال وتنشئتها النشاة الصالحه ؟ ان الاحكام العامة يا سيد اتاسي لا تقاس بحالات فردية وانما يكون القياس على العموم ، وعلى الاغلب ، وما عليك الا ان ترقب كيف تعيش مجتمعاتنا الاسلاميه في كنف العائله وكيف تتفك الاواصر والروابط في المجتمعات الغربيه التى تخلت عن ذلك الرباط الاسلامي الفريد ، وكيف تعيش المراة الغربيه وكانها سلعة للبيع والشراء ، بينما تعيش المراة المسلمة الدلال والاحترام والتقدير بين ابنائها واحفادها ومجتمعها .
المشكلة دائما عندما تناقش كاتبا او مفكرا علمانيا انه لا يقر بحقيقة ان الاسلام كل لا يتجزأ ، وانه منظومة متكاملة من الاحكام لا يجوز الحكم على جزئية منها وتجاهل باقي الجزئيات ، وانه دين الله الخاتم الذي لا دين من بعده ، وانه دين لا ينكر الاديان الاخرى بل يقر بها ولكنه يكمل نقصها ويعترف بانبيائها ، وانه دين صنع للامة مجدها وتاريخا وانقذها من كونها قبائل متشتتة متشرذمة تبيع نفسها مرة للفرس ومرة للروم ، جعلها امة حضارة ومدنيه وعلوم امتدت من شرق الارض الى غربها في فترة قياسية من عمر الشعوب والامم ، وانه دين قابل للتجدد والتطور والتاقلم مع المتغيرات ، وانه دين لا يرفض العلم ولا يتناقض معه وانما يشجع العلم ويطالب الناس ان يحصلوا عليه مهما بعدت الشقه .
مشكلة هولاء الكتاب –مع الاحترام لهم – انهم يطلقون احكاما مسبقه وينطلقون من مواقف مسبقه ، يبنى شكوكه وظنونه على افكار غير واقعيه وغير حقيقيه اخذها من اناس لهم غرض معاد للمسلمين .
عندما يناقش السيد الاتاسي وغيره من غير احكام مسبقه مبنيه على الظن والشك ، عند ذلك يمكن بسهولة التوصل الى نقطة التقاء ، وعندما تكون النوايا مخلصه وصافيه ولا ترتكز على الدعايات والاشاعات وانما على الحقائق الدامغه الموجوده في كل مكان ، عندها فقط تتقلص الحواجز والمسافات بين الاسلامين وغيرهم ، لان الاسلامين في النهاية لم ياتوا من كوكب اخر وانما هم نتاج هذا المجتمع الذي انتج غيرهم من اصحاب الافكار والنظريات الاخرى .
وللحديث تتمه –علي الاحمد -لندن